الخليج يعيد تعريف الشراكة مع الحلفاء.. لا مغادرة ولا تبعية

الخليج يعيد تعريف الشراكة مع الحلفاء.. لا مغادرة ولا تبعية
الخليج يعيد تعريف الشراكة مع الحلفاء.. لا مغادرة ولا تبعية

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الخليج يعيد تعريف الشراكة مع الحلفاء.. لا مغادرة ولا تبعية, اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025 03:01 صباحاً


في مقاله الأخير بموقع The National، كتب الأمير تركي الفيصل ما يشبه البيان السياسي المرمّز، بلغة هادئة وعبارات محسوبة، لكن محمّلة برسائل استراتيجية لا تخطئها العين. لم يكن المقال صرخة احتجاج، ولا نداء قطيعة، بل مراجعة عميقة لأسس العلاقة بين دول الخليج وحلفائها، تحديدا في سياق الفوضى النووية التي تعصف بمعايير العدالة الدولية.

منذ عقود، حافظت دول الخليج - وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية - على موقعها كشريك موثوق في النظام الدولي. قدّمت ما يكفي من المسؤولية السياسية، وما يفوقه من الالتزام بالاستقرار الإقليمي، بل وبنت شبكة علاقات مع الحلفاء الغربيين على قاعدة المنفعة المتبادلة. لكن يبدو أن هذه المعادلة لم تعد كافية في ظل ما وصفه الأمير بالتمييز النووي، حيث تُحمى بعض الدول - كإسرائيل - من أي رقابة أو مساءلة، بينما تُهدّد أخرى لمجرد سعيها للتخصيب السلمي.

الأمير تركي لم يطالب بالخروج من المعاهدة، ولم يدعُ إلى سباق تسلّح. لكنه قال، بوضوح نادر: لو كنا في عالم عادل، لكانت قنابل B2 قد أمطرت ديمونا.

عبارة لا تعني الرغبة في الضرب، بل تساؤل مشروع: من يضع القواعد؟ ومن يُستثنى منها؟ وهل أصبحت المعايير مرهونة بميزان القوة فقط؟

لكن ما يجب التأكيد عليه هنا، هو أن المقال - برغم حدّته - لا يصدر عن رغبة في الانفصال عن التحالفات، بل عن رغبة في تصحيح مسار العلاقة. السعودية، ومن خلفها الخليج، لا تغادر مربع الشراكة، لكنها ترفض أن تختزل دورها في التلقي الصامت. هناك فرق جوهري بين «التحالف» و»الاستتباع»، والأمير بوضوحه المعتاد، اختار أن يعيد ضبط هذه الحدود.

الخليج ليس مجرد ملعب.. بل لاعب رئيسي
لم تعد المنطقة، كما كانت في عقود سابقة، ساحة صراع بين قوى عظمى تتصارع على النفوذ، وتدير الأزمات عبر وكلاء. ما حدث في العقد الأخير - من الأزمة مع إيران، إلى تطورات الملف النووي، إلى التحولات في الرأي العام الغربي - أعاد رسم خريطة التفاعل الإقليمي. ولم تعد العواصم الخليجية تقبل بأن تكون مجرد طرف متلقٍّ للمواقف، بل باتت تصوغ خطابها، وتُعبّر عن مصالحها، وتدير توازناتها بشروطها الخاصة.

من هذا المنطلق، جاءت إشارات الأمير تركي حول «الابتزاز الاستراتيجي»، ومحاولة استخدام «الهيمنة العسكرية» كأداة لتحصيل مكاسب مالية من الحلفاء، لا الأعداء. وهو توصيف دقيق لممارسة بدأت تظهر على هامش بعض السياسات الأمريكية في المنطقة. الخليج لا يمانع في تحمل كلفة الأمن المشترك، لكنه لا يقبل أن تُوظّف أدوات الردع لإعادة تعريف موقعه في المعادلة الدولية.

ثقة الخليج بنفسه.. لا تلغي الشراكة
الأمير حين حذر من أن الردع بات حقا حصريا لإسرائيل، لم يكن يعارض مبدأ الردع، بل احتكاره من قبل دولة نووية خارج أي منظومة رقابية. والأهم، أن المقال لم يطرح الخليج كبديل عن أمريكا، ولا كندّ مباشر لإسرائيل، بل كموقع ثالث: موقع اللاعب الواثق، الذي يدرك موازين القوة، لكنه يرفض أن يعامل كطرف صامت لا يملك حق التقييم أو المراجعة.

إن الحديث هنا ليس عن انسحاب خليجي من النظام الدولي، ولا عن صدام مع الحلفاء، بل عن مطالبة هادئة لكن جادة بإعادة النظر في بعض الأسس التي لم تعد تنسجم مع متغيرات الواقع. الخليج، ببساطة، يطالب بأن يعامَل كما يليق بموقعه: شريك لا تابع، مساهم لا مجرد متلقٍّ، وصاحب سيادة لا أداة ضمن سياسة الردع المزدوج.

الرسالة الأخيرة.. لغة الدولة لا تُخطئ
الفقرة الأخيرة في مقال الأمير تركي، والتي لامس فيها تحوّلات الرأي العام الغربي، وتحذيره من تآكل الثقة بين الحاكم والمحكوم، لا تحمل فقط انتقادا لسلوك الحكومات، بل تذكير بأن المزاج الشعبي الدولي آخذ في التبدل، وأن العرب إذا أحسنوا استثماره، سيكون لديهم أوراق ضغط جديدة لم تكن متاحة سابقا.

لكن الأهم، أن كل ما ورد في المقال لم يكن بلغة المعارضة، ولا بروح الغضب، بل بلغة الدولة. والخليج، كما قال الأمير دون أن يقول، لم يعد يطلب الحماية، بل يفاوض على شروط التوازن. لم يعد ينتظر الموقف، بل يعلنه. ولم يعد يقبل دور «المرن القابل للتشكيل»، بل يؤكد أنه طرف مستقل، يسهم في صناعة القرار لا في انتظار نتائجه.

mr_alshammeri@

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق حياتنا والقرارات.. أين الخطأ؟!
التالى من منصة القبول إلى مستقبلك: كيف تختار تخصصا يشبهك؟