فوبيا الذكاء الاصطناعي في الصحافة والإعلام

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فوبيا الذكاء الاصطناعي في الصحافة والإعلام, اليوم الأربعاء 24 ديسمبر 2025 12:01 مساءً

في النقاش الدائر اليوم حول الكتابة والذكاء الاصطناعي تختلط الحقول بعضها ببعض، وكأن جميع النصوص تنتمي إلى جنس واحد. والواقع أن المقالات السياسية والعلمية والفلسفية والتقارير الصحافية تقوم على الفكرة وحجتها، وعلى وضوح العبارة واتساق البناء. وهذا النوع من الكتابة يستفيد بطبيعته من أي أداة تساعد على تهذيب الصياغة أو مراجعة اللغة؛ تماما كما تفعل غرف الأخبار ودور النشر حين يمر النص على مدقق ومحرر قبل نشره.

في مثل هذه النصوص لا تمس شخصية الكاتب، لأن قيمتها في حجتها لا في النبرة ولا في الأسلوب.

وهنا يصبح استعمال الذكاء الاصطناعي مسألة وظيفية لا تمس جوهر الكتابة، ما دام الكاتب يفهم ما يقول ويملك فكرته. فلا أحد يطالب الكاتب أن يتخلى عن أدوات العصر، والفرق واسع بين من يطلب منها نصا جاهزا لا يعي معناه، وبين من يستعين بها كما تفعل المؤسسات المحترفة: أداة للتدقيق والتهذيب، لا بديلا عن الرؤية أو الحس. فهذه الأداة امتداد لعمل المحرر، لا بديلا للكاتب ولا منافسا له.

ويصعب الأمر حين يخلط بين الكتابة الأدبية وغيرها، وكأنهما فضاء واحد. فالكتابة الأدبية تعتمد على عناصر لا يمكن استعارتها أو تصنيعها: الخيال والجماليات اللغوية والبلاغية. هذه عناصر تتكون تراكما داخل الموهبة، لا داخل الخوارزمية. فيصبح تدخل الأداة في نص أدبي أقرب إلى التشويه منه إلى التحسين؛ فالنص الأدبي لا يقرأ بواقعه الظاهر فقط، بل بما بين الجمل من حس ووجدان وموهبة لغوية. وهذه لا تمنحها آلة.

وبذلك تتوزع مسؤوليات الكتابة على ثلاثة مستويات لا يجوز الخلط بينها:
الحجج وبناء الأفكار شأن الكاتب وحده؛ فهي منطقه ورؤيته والأساس الذي ينهض عليه النص.

أما التحرير والمراجعة والتدقيق وجلب المعلومات الموثوقة، فهي مساحة يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعين عليها، كما تفعل فرق التحرير والبحث في المؤسسات الصحافية والإعلامية المحترفة.

ويبقى النثر والشعر وإيقاع الجملة وحبكة القصة والرواية من صميم عمل الأديب؛ موهبة لا تستعار من الآلة، لأنها تتولد من المخيلة واللغة معا. والخيال البشري ينبع من التراكم العاطفي والثقافي، ومن الذكريات الشخصية والتناقضات الداخلية؛ وهي عناصر لا تستطيع الآلة محاكاتها إلا سطحيا.

والمشكلة اليوم أن سوء استخدام الذكاء الاصطناعي - حين يطلب منه «مقال جاهز» كما تطلب وجبة سريعة، رسخ هذا القلق لدى مؤسسات صحافية ودور نشر كثيرة. مع أن هذه المؤسسات تقبل، دون حرج، تدخل أقسام التحرير والمراجعة في نصوص كتابها إلى حد يغير نصف الصياغة أحيانا، لكنها تتوجس من تحسينات أقل حين تأتي عبر تطبيقات التدقيق والتحرير. إذن، ليست المشكلة في الأداة، بل في طريقة استخدامها وحدود دورها؛ وهنا يتضح أن فوبيا الذكاء الاصطناعي ليست خوفا من التقنية نفسها، بل من لحظة تختلط فيها الأدوار: متى يكون الكاتب كاتبا، ومتى تكون الأداة مجرد عون؟ وما دام الحد واضحا، لا أرى مشكلة: الكاتب يكتب فكرته بصوته، والأداة تراجع وتنقح، والأدب يظل فنا لا يصاغ بالطلب.

NALtbinawi@

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق