نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الهند والخليج... طريقان يلتقيان في دروس العربية, اليوم الخميس 10 يوليو 2025 03:52 صباحاً
هناك علاقة قديمة وممتدة بين العالم العربي والهند، علاقة بدأت من زمن التبادل التجاري ولقاءات الموانئ، واستمرت عبر التاريخ من خلال المصاهرة والتعايش، لتتحول مع الوقت إلى علاقة ودّ واحترام متبادل. هذا القرب الثقافي ليس فقط في الطعام واللباس، بل أيضا في اللغة، حيث نجد اليوم عددا كبيرا من الهنود، خاصة المسلمين، يحملون تقديرا خاصا للغة العربية، إما بدافع ديني كالصلاة وتلاوة القرآن، أو لأسباب مهنية واقتصادية كالعمل في الدول العربية.
وليس غريبا أن نجد اليوم كثيرا من المدارس والجامعات في الهند تُدرّس اللغة العربية. ففي ولاية كيرلا وحدها تُدرّس العربية في عدد من المدارس الرسمية، إلى جانب آلاف المعاهد الدينية والمراكز التعليمية المنتشرة في مختلف الولايات.
وتشير بعض التقديرات إلى أن عدد المؤسسات التي تعنى بتعليم العربية في الهند قد يتجاوز 40 ألفا، وهذا رقم لافت يعكس اهتماما حقيقيا بالثقافة واللغة معا.
وعندما يأتي الطالب الهندي إلى دولة عربية لتعلّم العربية كلغة ثانية، فإن التحدي لا يكون لغويا فقط، بل ثقافي أيضا. فهناك اختلاف واضح في الأبجديات، وفي تركيب الجملة، وفي طريقة التعبير. ومع ذلك، يحمل الطالب شغفا واضحا، ويأتي بدافعية عالية.
يُعرف الشعب الهندي بحبه للتفاعل الشفهي، وتُعد القدرة على التعبير بالكلام جزءا مهما من الشخصية الاجتماعية هناك. وعندما يدخل الطالب الهندي إلى بيئة يتعلم فيها العربية، لكنه لا يمتلك بعد رصيدا كافيا من التراكيب والمفردات، فإن هذا التفاعل يتحول إلى تحدٍّ. فبعض الطلاب يشعرون بالعجز، فيختارون الصمت خوفا من الوقوع في الخطأ، بينما يحاول آخرون التغلب على هذا العجز بالكلام المتواصل، حتى وإن امتلأ بالأخطاء النحوية أو اللغوية، لأنهم ببساطة يريدون أن يُعبّروا عن أنفسهم قدر المستطاع. وهنا تأتي أهمية دور المعلم في فهم هذا السلوك وتوجيهه بلطف، بحيث يشجع الطالب على الحديث، ويقدم له الدعم دون أن يُربكه بالخوف من الخطأ.
أما في فصول المحادثة، فتُعد موضوعات مثل دور الأسرة، ومكانة الأم، والزواج المرتب من قبل العائلة، من أنسب المدخلات لبدء الحوار. فهذه الموضوعات مألوفة في الثقافة الهندية والعربية على حد سواء، وتمنح الطلاب فرصة للتعبير بلغتهم الجديدة عن تجارب قريبة منهم، مما يخفف من رهبة التحدث ويزيد من شعورهم بالثقة والانتماء.
كما أن التفاعل مع الطالب الهندي يتطلب وعيا بلغة الجسد واختلاف الإشارات الثقافية، والتي قد تحمل معاني مغايرة لما هو مألوف في الثقافة العربية. فمثلا، هز الرأس بمعنى «نعم» في الثقافة الهندية قد يُفهم خطأ في السياق العربي على أنه «لا»، بسبب الاختلاف التام في دلالات الإيماءة. مثل هذه التفاصيل، وإن بدت بسيطة، إلا أنها تفتح الباب أمام تساؤلات أعمق: هل تتغير شخصية الطالب حين يتحدث بلغة مختلفة؟ هل تتحول طريقة تعبيره، وإيماءاته، وحتى طريقته في التفاعل بحسب اللغة التي يستخدمها؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة في بيئة تعليم اللغات، وتُشير إلى أهمية تضمين تدريبات تواصلية تعالج اللغة المنطوقة ولغة الجسد معا، بما يعزز الفهم المتبادل ويقلل من سوء الفهم غير المقصود، ويهيّئ الطالب لبيئة تواصل أكثر انسجاما بين اللغة والثقافة.
في النهاية، حين يعرف المعلم ثقافة طلابه، يستطيع أن يبني معهم علاقة تعليمية حقيقية. فالمعرفة لا تُزرع فقط بالقواعد، بل بالتفاهم، وبخلق مساحة يشعر فيها الطالب بالأمان، وبأن لغته الجديدة ليست غريبة، بل امتداد لما يعرفه ويؤمن به.