الحروب تعيد صياغة العالم

الحروب تعيد صياغة العالم
الحروب تعيد صياغة العالم

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحروب تعيد صياغة العالم, اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 03:51 صباحاً


منذ فجر الإنسان، كانت الحرب مرآته المكسورة... تعكس دماءه وأحلامه، وهي قرار توقف أو تقهقر، تمزّق وإعادة خَلق، يقسم الأزمنة إلى ما قبلها وما بعدها، بتغير مفاهيم التحضّر والطموح والسيادة.

ومنذ بدايات البشر وحتى يومنا، ما زال وهج المعركة يلهب الذاكرة الإنسانية، يراها البعض لعنة أمم تعيسة، والبعض قفزات لصياغة مستقبل جديد، حتى وإن جاء على أنقاض أجمل الأحلام.

عندما انهارت برلين عام 1945، كان ذلك إيذانا بسقوط مشروع التوسع النازي، لكنه كان في اللحظة ذاتها بداية لتحالفات عالمية جديدة، أعادت رسم خريطة أوروبا بالاستحقاقات، وزوال الكوابيس وتعانق العقول والقوى.

وحين ألقيت قنبلتا هيروشيما وناغازاكي، في حدثي بشاعة مفصلية صارمة، لم تعبر منظور الواقع والمستقبل كأي نهاية حرب، إنما بدايات عصر تغيرت فيه موازين العزة والردع ومعطيات التجني، ونظمت أصول قواعد اللعبة الدولية.

اليابان، التي تلقت الضربة الأقسى تاريخيا، سرعان ما آمنت بالواقع، ونهضت مجددا لتعطي المثل الأوضح والأعلى على قدرة الدول على النهوض من رمادها، لا بتوسع عسكري، بل بتقدم علمي صناعي تقني، وانفتاح ثقافي أعاد رسم هوية امبراطوريتها عالميا بما تعجز الحروب عن صنعه.

الحرب قد تقاد بعقول متساهلة أو مريضة أو متصلبة واهمة، وسط حسابات سطحية أو معقدة لإثبات الإمكانيات والقوة والنفوذ وحساب للخسائر والفوائد.

وفي يومنا ما زلنا نجد الأسئلة المتفلسفة، والإجابات الواثقة والغبية والمستخفة، في صراع إيران وإسرائيل، والمبني على أحقاد ومصالح واشتباكات عسكرية مجهولة النهايات، بمؤشرات تسعى لإعادة هيكلة أوزان القوى في الشرق الأوسط التعيس.

الحرب هنا مختلطة النوايا، ومجازفات حد الخوف والقهر، ولعب على حدود الردع وإمكانات الاحتواء، في عالم به الكبير يعاني من كثرة المناوئين.
الشعوب تعاني، والأسواق ترتجف، والمبادئ تنقلب والتحالفات تتبدل، والمصطلحات السياسية يعاد صياغتها تحت الوعيد والدخان.

ماذا لو اختلفت النهايات؟ وتم تقسيم اليابان كما ألمانيا؟ وماذا لو خرجت النازية منتصرة؟ وماذا لو تم إزاحة العالم الجديد بالقوة، هل كنا نعيش اليوم على الخرائط والقيم الصناعات ذاتها؟ وتوزيعات اللغات البشرية ذاتها، التي نناقش بها معاني وجودنا اليوم، وماهية الإنسان؟ فالحروب لا ترسم فقط حدود الدول، بل تعيد هندسة الوعي البشري وعلاقاته المعقدة مع المعتقدات المتناحرة.

مهرجانات من الحروب والدمار وسحق للإنسانية، وتباين للحقوق، ومنتهى العنف، وتفلت الجماعات الإرهابية، أو إعادة التنظيم بأفكار ونوايا السلام وشروطه.

من قلب الدمار والموت قد تنطلق مبادرات الوعي والتعقل والعدالة الانتقالية، ومعاهدات نزع السلاح، وخلق المنظمات الدولية، ومعاناة أجيال وتهديدها بالخراب، وهنالك من يؤمن أن التعليم هو الحصن، وأن الحوار أفضل بديل للسلاح، وأن العالم أكثر استحقاقا للتفاهم من الفناء. فبعد كل قنبلة تسقط، يطرح السؤال الأبدي: ماذا لو كانت الكلمة قد سبقت الرصاصة؟

هكذا، تبقى الحرب اللحظة الأكثر وضوحا في عبثية الإنسان ومجده، سواء انهارت الحضارات أو بنيت، قتل الحلم أو استعيدت محاولات خلقه.

إنها مفارقة العقول البشرية الكبرى: تدمر لتُصلح، تُنهي لتُطلق، تُوجِع لتذكرنا أن السلام، في نهاية المطاف، ليس الهدنة التي تعقب الانفجار، بل الوعي الذي لا يسمح للضجيج أن يستعاد.

shaheralnahari@

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق «السياحة» تعلن عن تجاوز حاجز الـ100 مليون سائح محلي ووافد للسنة الثانية على التوالي
التالى منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن انشغالها إزاء استهداف المنشآت النووية الإيرانية