حبل غسيل مناديل الدم المسفوك

حبل غسيل مناديل الدم المسفوك
حبل غسيل مناديل الدم المسفوك

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حبل غسيل مناديل الدم المسفوك, اليوم الاثنين 11 أغسطس 2025 03:01 صباحاً

كل ليلة في غزة ينفجر صمت السماء. رائحة الموت، والبارود الملعون تنتشر في القطاع المعزول. اعتادت عليها الأنوف. كل شيء يصبح طبيعيا وبلا قيمة، حين تفرغ البطون. ووقت تحول الحياة للعدم؛ المغادرة ستكون أفضل من البقاء بشكل مهين.

المناظر القادمة من غزة تدمي القلب، هي عار على جبين الإنسانية، ووصمة قبح على وجه كل من يتشدق بحقوق الإنسان في المنظمات الدولية، في جنيف، في نيويورك، في عواصم صناعة القرار. ساكنو القصور هناك سيقتص التاريخ من لؤمهم ووحشيتهم.

يروي مواطن غزاوي قبل أيام قصته للحصول على حفنة من الطحين. سار على الأقدام أكثر من 15 كلم، وزحف خشية رصاص المجرمين قرابة 3 كلم. كان وقتها يحمل كيسا من الطحين، وبدا على محياه التعب والإعياء الشديد، لكن شعوره بالانتصار لأبنائه الذين يصارعون الموت بحثا عن لقمة خبز، الذي ظهر على وجهه، أمر يدعو للتدبر، والتفكر كثيرا، وربما يفتح أبواب آلاف من التساؤلات. سأكتفي بسؤال من تلك الأسئلة، التي تشبه حد السكين.

السؤال؟ لماذا؛ وإلى متى؟ الحقيقة أن الإجابة رغم بساطتها رغم أنها مكلفة على الصعيد المعنوي والإنساني. الجواب: لا أحد يعلم. إنما ما أفهمه، أنه إذا فتحت أبواب الجحيم، فستذهب المفاتيح في القبور، مع الموت والراحلين. وذا يختصر معنى شهوة الدم. هي لعينة. لأنها تعني للبعض انتصار، ومعناها في الحقيقة إجرام بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. السؤال الأخر، إلى متى؟ الجواب: الله أعلم. يمكن حتى يشبع القتلة مما يتقنون ويجيدون ويحبون.

لا أتصور أن منظر قفز «الغزاوية» على شاحنات الإعانات، التي يتفضل ويتكرم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالسماح لدخول بعض منها، حسب مزاجه الإجرامي المريض، تسر أي إنسان في هذا الكون الفسيح، يملك ذرة من ضمير، وأخلاقيات، واحتراما لذاته قبل احترام الآخر.

ولا أعتقد أن سيد البيت الأبيض؛ إن اعتبرنا أنه يملك قليلا من الإنسانية، يستطيع النوم، بعيدا عن التصريحات التي يسوقها للعالم، عن عزمه مواجهة الأزمة البشرية في قطاع غزة، التي يعيش أهلها عن بكرة أبيهم، في صراع مع الجوع.

ولا يمكن استيعاب مواجهة الشعب الغزاوي الأعزل، وتجويعه، وممارسة ما يمكن وصفه بالإبادة الجماعية، على أساس تحييد حركة حماس، عن العمل السياسي والعسكري. فأهل غزة ليسوا (حماس). حماس شيء، وهؤلاء شيء آخر.

ومن ثم يستحيل في الوقت ذاته، إلغاء فكرة الوطن، ونسف سقف استحقاق سكان القطاع الذين يتجاوز عددهم مليوني إنسان، من حق العيش الكريم، وتحويلها لنضال هدفه أولا وأخيرا الحصول على قوت يومه، على شكل إعانات قادمة من الخارج. إنه تسخيف وتقزيم للقضية الفلسطينية، أو بالأصح اغتيال كامل لملف الإنسان الفلسطيني على أرضه. وهو هدف إسرائيلي بعيد المدى.

أعتقد أن أمام العالم فرصة ذهبية، تتمثل بالنظر لمطرقة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، التي قرعها مرارا، في عقر دار الأمم المتحدة، وتمثل رأي المملكة، الذي صدح في المحافل الدولية، وجرّم إرهاب إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وطالب بنزع سلاح حركة حماس، فهي تمثل صوت العقل، الذي يجب الاستماع له دوليا. لماذا؟ لأنه - أي الرأي السعودي - نظر للسلام بحيادية، ولم يحابي أيا من الأطراف في النزاع الأزلي، استنادا على مشروع حل الدولتين، الذي يفرض التعايش، وينهي سفك الدماء، والقتل، والتهجير.

خلاصة القول؛ ما تعيشه غزة، يشكل أطول مذبحة في التاريخ الحديث. ومن الغباء والصفاقة السياسية الغربية، أن بعض العواصم، لم تفكر بأن استمرار تلك المجزرة، سيلغي كثيرا من رواياتهم، التي تم تسويقها عبر الزمن، وتحاكي ظلم أحد لآخر. كالهولوكوست التي تمت على يد زعماء ألمانيا النازية بحق اليهود، وتشدق بها دعاة الحرية، و صدعوا رؤوسنا من عشرات السنين حتى اليوم.

إن العالم المدعي للحرية، سيحاسب على صمته أمام سؤال مفاده؛ أين أنتم من الجثث، والأطفال، أين دعاة حماية الطفولة، لماذا قتلوا، ماذا فعلوا، وأين كنتم، حينما كتب وحوش القصص رواياتهم، ورسموا الخطط، ووضعوا الإحداثيات للطيارين، السفاحين من الأجواء، في المقاتلات المفترسة؟

في عين أطفال غزة؛ لا يختلف الموت من السماء، عن الموت في الأرض. ما يوجعهم ويُبكيهم، رائحة قمصان الراحلين، لأنهم منذ أن ولدوا، شاهدوا الأنقاض التي يسمع عنها الجميع ولم يروها. لقد عاشوا، وتقاسموا أيامهم معها.

سحقا للمجرمين. من هناك وهناك. لا فرق بين هذا وذاك. وقاتل الله من نظر للجنائز من بعيد. من الخارج. من الأبراج الشاهقة. حيث الدولار الأخضر، والمركبة الألمانية، والمواكب، والحرس، والخدم والحشم.

سيدعو ذاك الفلسطيني الذي حمل بضع كيلوات من الطحين، كأنه ذهب أبيض، على الجميع بالسحق، والنار، وجهنم وبئس المصير.

وهو يردد بداخله، نلتقي بعد قليل، بعد عام، ربما عامين، أو جيل، أو بعد عشرين حديقة، خلف البحر، بحثا عن الحقيقة.

أو كما قال أحدهم.

في وطن يتحول بكل دقيقة لحبل غسيل.. لمناديل الدم المسفوك.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق التركيبة السكانية والوحدات السكنية الصغيرة
التالى العقود وحماية حقوق الأسر المنتجة: قراءة في نظام المعاملات المدنية